كيف أعرف أنني أعاني من نقص الفيتامين د؟

تعب مزمن، زكام متكرر، مزاج متقلب مع بداية الخريف... ماذا لو كانت المشكلة في معدل الفيتامين د D في جسمك؟ هذا السؤال بات مطروحاً أكثر فأكثر في الأوساط الصحية. لكن وسط النصائح المتضاربة والتحذيرات المتعددة ورفوف الصيدليات الممتلئة بالمكملات، كيف نميّز بين الصحيح والمبالغ فيه؟ تقول الطبيبة المتخصصة في الطب الفيزيائي وإعادة التأهيل بريجيت هوسان Brigitte Houssin‎ إن "90% من السكان يعانون من نقص في هذا الفيتامين". من المرجح إذاً أن نكون من بين هذه النسبة. فكيف نعرف إن كنا من الأشخاص المعرّضين لنقصه؟ ما الذي يجعلنا بحاجة فعلية إليه؟ وكيف يمكن تعويض هذا النقص؟ وما هو افضل وقت لتناول فيتامين د؟

نقص شائع... ومضرّ

رغم أنه يحمل اسم فيتامين، إلا أن الفيتامين د ليس مجرد فيتامين عادي، بل يعمل داخل الجسم كهرمون ينظّم وظائف متعددة، كما توضح الدكتورة بريجيت هوسان، تقول: "يؤثر هذا المركّب في مختلف أنسجة الجسم تقريباً: العظام، الجهاز المناعي، القلب، الدماغ... إنه موجود في كل مكان". عملياً، هو المسؤول عن تثبيت الكالسيوم في العظام، ويحفّز دفاعات الجسم الطبيعية، ويسهم في تنظيم نشاط أكثر من 220 جيناً، وفقاً لطبيبة أمراض الروماتيزم روز ماري خافيير Rose-Marie Javier‎، من مركز دراسة وعلاج الألم في مستشفيات ستراسبورغ الجامعية.

يؤدي هذا "القائد الصامت" دوراً محورياً في توازن الجسم. وبدونه، يعمل الجسم بأقل من طاقته. تشير بيانات مجموعة البحوث والمعلومات حول هشاشة العظام (GRIO) إلى أن نحو 80% من الفرنسيين يسجلون معدلات غير كافية من الفيتامين د مع نهاية فصل الشتاء. يعود السبب إلى أن الجسم لا ينتج هذا الفيتامين الحيوي إلا بين شهري أبريل وأكتوبر، وتحت زاوية معينة من الأشعة فوق البنفسجية. خارج هذه الفترة، نعتمد على المخزون... إن وجد.

فئات أكثر عرضة لنقص الفيتامين د

المشكلة أن اكتشاف هذا النقص ليس سهلاً. فكما هو الحال مع تسرّب المياه في المنزل، لا نلاحظ المشكلة إلا بعد ظهور الأضرار. تشرح الدكتورة هوسان: "نادراً ما تكون هناك مؤشرات واضحة، فالنقص غالباً ما يظهر على شكل أعراض متفرقة مرتبطة بضعف المناعة. أما الحالات الشديدة جداً، فهي مثل الكساح (ضعف العظام) أو لين العظام (تشوه العظام)، لكنها نادرة الحدوث".

بعض الفئات أكثر عرضة لهذا النقص، مثل أصحاب البشرة الداكنة، إذ يشكّل الجلد عندهم حاجزاً يمنع امتصاص الأشعة فوق البنفسجية اللازمة لتصنيع الفيتامين د. كذلك الأمر لدى كبار السن الذين يتعرّضون لأشعة الشمس بدرجة أقل، كما أن بشرتهم تنتج الفيتامين بكفاءة أضعف. يضاف إليهم العاملون في المكاتب الذين يقضون معظم الوقت في أماكن مغلقة، فضلاً عن الأشخاص الذين يعانون من السمنة، إذ يتعذر تخزين الفيتامين د لديهم بشكل فعّال، وفق ما تؤكده الدكتورة هوسان.

كيف نتعامل مع مكملات الفيتامين د؟

لفهم ما إذا كنت فعلاً بحاجة إلى تناول مكملات الفيتامين د، فإن التحليل المخبري الخاص بمستوى الفيتامين د في الدم هو الحل الأكثر دقة. "حتى لو تم إجراء التحليل مرة واحدة فقط، فهو يعطي فكرة واضحة عن طريقة عمل الجسم، ويساعد في تخصيص الجرعة المناسبة لاحقاً"، تؤكد الدكتورة روز ماري خافيير.

بمجرد تشخيص النقص، يجب اختيار الشكل الأنسب للعلاج. في حالات النقص الحاد، يوصى عادة بأخذ أمبولات تحتوي على جرعات مرتفعة، ثم الانتقال إلى جرعات يومية عبر قطرات، إذا كانت هذه الطريقة مفضلة لدى المريض.

من الأفضل تناول المكملات أثناء الوجبة، خصوصاً إذا كانت تحتوي على الدهون، لأن الفيتامين د قابل للذوبان في الدهون، وبالتالي يحتاج إلى بيئة دهنية ليمتصه الجسم جيداً. بالتوازي، يجب الانتباه إلى توازن العناصر الأخرى المرتبطة بصحة العظام مثل الكالسيوم، المغنيسيوم والفيتامين K2. الوجبة المثالية هي سردين مع الخضار الورقية الغنية بالكالسيوم، الحبوب الكاملة التي تحتوي على المغنيسيوم، وقليل من الجبن المخمّر مثل الغودا الغني بالفيتامين K2.

أما على صعيد الغذاء اليومي، فحتى لو وجدت مصادر طبيعية للفيتامين د كالسلمون والبيض والكبد، فإن الكميات التي نتناولها عادة لا تكفي لتغطية الحاجة اليومية. توضح الدكتورة هوسان أن "علبة سردين واحدة في الشهر لا تعالج نقصاً في هذا الفيتامين".

أما من يفكرون في تناول مكملات من دون إشراف طبي، فيجب أن يعيدوا النظر، لأن "الجرعة الزائدة من الفيتامين د قد تؤدي إلى مشاكل في الكلى، اضطرابات في القلب، وقد تصل إلى نوبات صرع"، تحذر الدكتورة خافيير. لذلك، فإن التوعية والفهم الصحيح والتوجيه الطبي تبقى أفضل وسيلة للوقاية.